فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي أعلم أسلافهم أنهم إن غيّروا ولم يؤمنوا بالنبيّ الأُميّ بعث الله عليهم من يعذّبهم.
وقال أبو عليّ: {آذن} بالمد، أعلم.
و{أذّن} بالتشديد، نادى.
وقال قوم: آذن وأذّن بمعنى أعلم؛ كما يقال: أيقن وتيقّن.
قال زهير:
فقلتُ تَعَلَّمْ إن للصيد غرّةً ** فإلاّ تُضَيّعها فإنك قاتِلُهْ

وقال آخر:
تعلّم إن شر الناس حيّ ** يُنَادَى في شعارهم يَسار

أي اعلم.
ومعنى {يَسُومُهُمْ} يذيقهم؛ وقد تقدّم في البقرة.
قيل: المراد بُخْتَنصّر.
وقيل: العرب.
وقيل: أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهو أظهر؛ فإنهم الباقون إلى يوم القيامة.
والله أعلم.
قال ابن عباس: {سُوءَ الْعَذَابِ} هنا أخذ الجِزْية.
فإن قيل: فقد مُسِخوا، فكيف تؤخذ منهم الجزية؟ فالجواب أنها تؤخذ من أبنائهم وأولادهم، وهم أذلّ قوم، وهم اليهود.
وعن سعيد بن جبير {سُوءَ الْعَذَابِ} قال: الخَراج، ولم يَجْب نبيّ قطّ الخَراج، إلا موسى عليه السلام هو أوّل من وضع الخراج، فجباه ثلاث عشرة سنة، ثم أمسك، ونبينا عليه السلام. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وإذ تأذن ربك}.
الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ومعنى تأذن أذن والأذن الإعلام يعني أعلم ربك وقيل معناه قال ربك، وقيل: حكم ربك وقيل آلى ربك بمعنى أقسم أجزما ربك {ليبعثن عليهم} اللام في قوله ليبعثن جواب القسم لأن قوله وإذ تأذن ربك جارٍ مجرى القسم لكونه وجواب القسم ليبعثن عليهم واختلفوا في الضمير في عليهم إلى من يرجع فقيل يقتضي أن يكون راجعًا إلى قوله فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين لكن قدعلم أن الذين مسخوا لم يبق منهم أحد فيحتمل أن يكون المراد الذين بقوا منهم فألحق الذل بهم وقيل بأن المراد سائر اليهود من بعدهم لأن الذين بقوا من أهل القرية كانوا صالحين والذي بعثه الله على اليهود هو بختنصر وسخاريب وملوك الروم فساموهم سوء العذاب.
وقيل: المراد بقوله ليبعثن عليهم اليهود الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله عليهم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته فألزم من لم يسلم منهم الصَّغار والذلة والهوان والجزية لازمة لليهود إلى يوم القيامة وأورد على هذا بأن في آخر الزمان يكون لهم عزة وذلك عند خروج الدجال لأن اليهود أتباعه وأشياعه وأجيب عنه بأن ذلك العز الذي يحصل لهم في نفسه غاية الذلة لأنهم يدعون إلهية الدجال فيزدادون كفرًا على كفرهم فإذا هلك الدجال أهلكهم المسلمون وقتلوهم جميعًا فذلك هو الذلة والصغار المشار إليه بقوله تعالى: {ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} وهذا نص في أن العذاب إنما يحصل لهم في الدنيا مستمرًا عليهم إلى يوم القيامة ولهذا فسر هذا العذاب بالإهانة والذلة وأخذ الجزية منهم فإذا أفضوا إلى الآخرة؛ كان عذابهم أشد وأعظم وهو قوله تعالى: {إن ربك لسريع العقاب} يعني لمن أقام على الكفر ففيه دليل على أنه يجمع لهم مع ذلة الدنيا عذاب الآخرة فيكون العذاب مستمرًا عليهم في الدنيا والآخرة، ثم ختم الآية بقوله تعالى: {وإنه لغفور رحيم} يعني لمن آمن منهم ورجع عن الكفر واليهودية ودخل في دين الإسلام. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} منصوب على المفعولية بمضمر معطوفٍ على قوله تعالى: {واسألهم} وتأذّن بمعنى آذن كما أن توعّد بمعنى أوعد أو بمعنى عزم فإن العازمَ على الأمر يحدث به نفسه، وأُجري مُجرى فعل القسمِ كعلم الله وشهد الله فلذلك أجيب بجوابه حيث قيل: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي واذكر لهم وقت إيجابِه تعالى على نفسه أن يسلِّط على اليهود البتة {مَن يَسُومُهُمْ سُوء العذاب} كالإذلال وضربِ الجزية وغير ذلك من فنون العذاب وقد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمانَ عليه السلام بُختَ نَصّر فخرّب ديارهم وقتل مقاتِلتَهم وسبى نساءَهم وذرارِيَهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدّونها إلى المجوس حتى بُعث النبي عليه الصلاة والسلام ففعل ما فعل ثم ضرب الجزيةَ عليهم فلا تزال مضروبةً إلى آخر الدهر {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} يعاقبهم في الدنيا {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن تاب وآمن منهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} منصوب بمضمر معطوف على قوله سبحانه: {واسئلهم} [الأعراف: 163] وتأذن تفعل من الاذن وهو بمعنى آذن أي أعلم والتفعل يجيء بمعنى الافعال كالتوعد والايعاد، وإلى هذا يؤول ما روي عن ابن عباس من أن المعنى قال ربك، وفسره، بعضهم بعزم وهو كناية عنه أو مجاز لأن العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل والترك ثم يجزم فهو يطلب من النفس الاذن فيه، وفي الكشف لو جعل بمعنى الاستئذان دون الايذان كأنه يطلب الاذن من نفسه لكان وجهًا، وحيث جعل بمعنى عزم وكان العازم جازمًا فسر عزم بجزم وقضى فافاد التأكيد فلذا أجرى مجرى القسم، وأجيب بما يجاب به وهو هنا {رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ} وجاء عزمت عليك لتفعلن، ولا يرد على هذا أنه مقتضى لجواز نسبة العزم إليه تعالى وقد صرح بمنع ذلك لأن المنع مدفوع فقد ورد عزمة من عزمات الله تعالى: {عَلَيْهِمْ} أي اليهود لا المعتدين الذين مسخوا قردة إذ لم يبقوا كما علمت، ويحتمل عود الضمير عليهم بناء على ما روي عن الحسن.
والمراد حينئذ هم وأخلافهم، وعوده إلى اليهود والنصارى ليس بشيء وإن روي عن مجاهد، والجار متعلق بيبعثن على معنى يسلط عليهم البتة {إلى يَوْمِ القيامة} أي إلى انتهاء الدنيا وهو متعلق بيبعث، وقيل: بتأذن وليس بالوجه ولا يصح كما لا يخفى تعلقه بالصلة في قوله سبحانه: {مَن يَسُومُهُمْ} يذيقهم ويوليهم {سُوء العذاب} كالادلال.
وضرب الجزية.
وعدم وجود منعة لهم.
وجعلهم تحت الأيدي وغير ذلك من فنون العذابد وثد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمان عليه الصلاة والسلام بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتلتهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية عليهم فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر.
ولا ينافي ذلك رفعها عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام لأن ذلك الوقت ملحق بالآخرة لقربه منها أو لأن معنى رفعه عليه السلام إياها عنهم أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام ويخيرهم بينه وبين السيف فالقوم حينئذ إما مسلمون أو طعمة لسيوفهم فلا اسكال، وما يحصل لهم زمن الدجال مع كونه ذلافي نفسه غمامة صيف على أنهم ليسوا يهود حين التبعية {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} لما شاء سبحانه أن يعاقبه في الدنيا ومنهم هؤلاء، وقيل: في الآخرة، وقيل: فيهما {وَإِنَّهُ لَغَفُورُ رحيمٌ} لمن تاب وآمن. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}.
عطف على جملة: {واسألهم} [الأعراف: 163] بتقدير اذكر، وضمير {عليهم} عائد إلى اليهود المتقدم ذكرهم بالضمير الراجع إليهم بدلالة المقام في قوله تعالى: {واسألهم} [الأعراف: 163] كما تقدم بيان ذلك كله مسستوفى عند قوله: {واسألهم عن القرية} [الأعراف: 163] فالمتحدث عنهم بهذه الآية لا علاقة لهم بأهل القرية الذين عَدَوْا في السبت.
و{تأذَّنَ} على اختلاف إطلاقاته، ومما فيه هنا مشتق من الإذن وهو العلم، يقال: أذِنَ أي علم، وأصله العلم بالخبر، لأن مادة هذا الفعل وتصاريفه جائية من الأُذْن، اسم الجارحة التي هي آلة السمع، فهذه التصاريف مشتقة من الجامد نحو استحجر الطين أي صار حجرًا، واستنسر البُغاث أي صار نَسرًا، فتأذن: بزنة تَفعَل الدالة على مطاوعة فَعل، والمطاوعة مستعملة في معنى قوة حصول الفعل، فقيل: هو هنا بمعنى أفْعلَ كما يقال: تَوعد بمعنى أوْعد فمعنى {تأذن ربك} أعلم وأخبر ليبعثن، فيكون فعل أعلم معلقًا عن العمل بلام القسم، وإلى هذا مَال الطبري، قال ابن عطية: وهذا قلق من جهة التصريف إذ نسبة تأذن إلى الفاعل غير نسبة أعلم، ويتبين ذلك من التعدي وغيره، وعن مجاهد: {تأذن} تألى قال في الكشاف معناه عزم ربّك، لأن العازم على الأمر يُحدث نفسه به أراد أن إشرابه معنى القسم ناشيء عن مجاز فأطلق التأذن على العزم، لأن العازم على الأمر يحدث به نفسه، فهو يؤذنها بفعله فتعزمُ نفسه، ثم أجرى مجرى فعل القسم مثل عَلم الله، وشهد الله.
ولذلك أجيب بما يجاب به القسم.
قال ابن عطية: وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا وعن ابن عباس {تأذن ربك} قال ربك يعني أن الله أعلن ذلك على لسان رسله.
وحاصل المعنى: أن الله أعلمهم بذلك وتوعدهم به، وهذا كقوله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} في سورة إبراهيم (7).
ومعنى البعث الإرسال وهو هنا مجاز في التقييض والإلهام، وهو يؤذن بأن ذلك في أوقات مختلفة وليس ذلك مستمرًا يومًا فيومًا، ولذلك اختبر فعل {ليبعثن} دُون نحو ليلزمنهم، وضمن معنى التسليط فعدي بعلى كقوله: {بعثنا عليكم عبادًا لنا} [الإسراء: 5] وقوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان} [الأعراف: 133].
و{إلى يوم القيامة} غاية لما في القسم من معنى الاستقبال، وهي غاية مقصود منها جعل أزمنة المستقبل كله ظرفًا للبعث، لإخراج ما بعد الغاية.
وهذا الاستغراق لأزمنة البعث أي أن الله يسلط عليهم ذلك في خلال المستقبل كله، والبعث مطلق لا عام.
و{يسومهم} يفرض عليهم، وحقيقة السوم أنه تقدير العوض الذي يستْبدل به الشيءُ، واستعمل مجازًا في المعاملة اللازمة بتشبيهها بالسوم المقَدر للشيء، وقد تقدم في سورة البقرة (49) {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب}.
وتقدم في هذه السورة نظيره، فالمعنى يجعل سوء العذاب كالقيمة لهم فهو حظهم.
وسوء العذاب أشده، لأن العذاب كله سوء فسوءهُ الأشد فيه.
والآية تشير إلى وعيد الله إياهم بأن يسلط عليهم عدوهم كلما نقضوا ميثاق الله تعالى، وقد تكرر هذا الوعيد من عهد موسى عليه السلام إلى هلُم جرّا، كما في سفر التثنية في الثامن والعشرين ففيه إن لم تحرص لتعمل بجميع كلمات هذا الناموس.
ويبددُك الله في جميع الشعوب وفي تلك الأمم لا تطمئن وترتعب ليلًا ونهارًا ولا تأمن على حياتك وفي سفر يوشع الإصحاح 23 لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى ولكن إذا رجعتم ولصفتم ببقية هؤلاء الشعوب اعلموا يقينًا أن الله يجعلهم لكم سَوطًا على جُنوبكم وشوكًا في أعينكم حتى تبيدوا حينما تتعدون عهد الرب إلهكم.
وأعظم هذه الوصايا هي العهد باتباع الرسول الذي يُرسل إليهم، كما تقدم، ولذلك كان قوله: {ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} معناه ما داموا على إعراضهم وعنادهم وكونهم أتباع ملة اليهودية مع عدم الوفاء بها، فإذا أسلموا وآمنوا بالرسول النبي الأمي فقد خرجوا عن موجب ذلك التأذنُ ودخلوا فيما وعد الله به المسلمين.
ولذلك ذيل هذا بقوله: {إن ربك لسريع العقاب} أي لهم، والسرعة تقتضي التحقق، أي أن عقابه واقع وغيرُ متأخر.
لأن التأخر تقليل في التحقق إذ التأخر استمرار العدم مدة مّا.
وأول من سُلط عليهم بُخْتنصَّر ملك بابل.
ثم توالت عليهم المصائب فكان أعظمها خراب أرشليم في زمن إدريانوس انبراطور رومة ولم تزل المصائب تنتابهم ويُنفس عليهم في فترات معروفة في التاريخ.
وأما قوله: {وإنه لغفور رحيم} فهو وعد بالإنجاء من ذلك إذا تابوا واتبعوا الإسلام، أي لغفور لمن تاب ورجع إلى الحق، وفيه إيماء إلى أن الله قد ينفس عليهم في فترات من الزمن لأن رحمة الله سبقت غضبه، وقد ألمّ بمعنى هذه الآية قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفسدُن في الأرض مرتين ولتعلن عُلوًا كبيرًا فإذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأسسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا ثم رددنا لكم الكّرة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعلناكم أكثر نفيرًا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءموا وجوهكم وليدْخلوا المسجدَ كما دخلوه أول مرةٍ وليتبروا ما علوا تتبيرًا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عُدتم عُدنا} [الإسراء: 4 8]. اهـ.